دروس من قصة نبي الله موسى -عليه السلام
سعيد محمود
هو موسى بن عمران الذي يمتد نسبه إلي نبي الله إبراهيم -عليه السلام-. - هو نبي مرسل: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولا نَبِيًّا)
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
ما قبل بعثته -عليه السلام-:
تعريف بالنبي -عليه السلام-:
هو موسى بن عمران الذي يمتد نسبه إلي نبي الله إبراهيم -عليه السلام-.
- هو نبي مرسل: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولا نَبِيًّا) (مريم:51).
ولادته -عليه السلام- في زمان الفرعون:
- الفرعون يدعي ملكية رقاب البلاد والعباد: (أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ) (الزخرف:51).
- استغل الفرعون قابلية قومه لأوامره لإعانته إياهم على فسقهم: (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ) (الزخرف:54).
- نظر في المعبودات فوجدها حقيرة وهو أشرف فادعى الربوبية: (أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى) (النازعات:24).
- ولما كان طويل العمر وهم يموتون قال: (مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي) (القصص:38).
- جعل بني قومه وعصبته ومطيعيه لهم المكانة, والمستضعفين من المؤمنين لهم الذلة والمهانة: (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) (القصص:4)، (مَا أُرِيكُمْ إِلا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلا سَبِيلَ الرَّشَادِ) (غافر:29).
أحداث سبقت الولادة:
- الفرعون يرى في المنام أن نارًا أقبلت من جهة بيت المقدس, فأحرقت دور مصر وجميع القبط, ولم تضر بني إسرائيل, وتأويل الكهنة لذلك بأنه سيكون من بني إسرائيل من يكون ذلك على يديه؛ فأمر بقتل أولاد بني إسرائيل من الذكور... ذكره ابن عباس وغيره من الصحابة: (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ).
- القبط يشكون من قلة بني إسرائيل؛ فيأمر الفرعون بالقتل عامًا وعامًا؛ فيولد هارون -عليه السلام- عام المسامحة, وأما موسى -عليه السلام-...
- كان حَمل موسى -عليه السلام- لا يظهر, فلما وضعت أُلهمت: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) (القصص:7)(1).
- فرحة امرأة فرعون بموسى -عليه السلام-: (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ . وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ . وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ . وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) (القصص:8-11)، وهذه تشبه: (قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلامٌ... ) (يوسف:19)، (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي) (طه:39).
وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ:
- الحزن يقطع قلب أم موسى -عليه السلام-: (وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ . وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) (القصص:10-11).
- مكروه ثالث في الظاهر: (وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ) (القصص:12).
- رجوعه إلي أمه، الخير بعد المكروه: (فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (القصص:13).
- الوعد الأول: (إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ).
- الوعد الثاني: (وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ)، ولقد امتن الله عليه بهذا ليلة التكليم: (وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى . إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى . أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ... ) (طه:37-39).
فائدة ودرس: (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ):
- الفرعون يمكر ليمنع وجود موسى -عليه السلام-: (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ) (القصص:
، (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) (الأنفال:30)، (فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ) (البروج:16).
- يا أيها الملك الجبار المغرور بجنوده وسلطانه, قد حكم العظيم الذي لا يُغالب ولا يُمانع, ولا تخالف أقداره أن هذا المولود الذي تحذر منه, وقد قتلتَ بسببه من النفوس ما لا يُعد ولا يحصى لا يكون مرباه إلا في دارك, ولا يغذى إلا بطعامك، ثُم يكون هلاكك في دنياك وأخراك على يديه؛ لمخالفتك ما جاء به من الحق المبين؛ ولتعلم أنت وسائر الخلق أن رب السموات والأرض هو الفعال لما يريد, وإنه القوي الشديد.
خروجه -عليه السلام- من أرض مصر:
- اكتمال الخلق والخُلق: (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) (القصص:14).
- نصرته للحق والمستضعفين: (وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ... ) (القصص:15).
- توبته -عليه السلام-: (قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ . قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (القصص:15-16).
- احذر عذر اللئام: (قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ . فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ) (القصص:18-19).
دخوله -عليه السلام- أرض مدين وزواجه من ابنة الرجل الصالح:
- ذكر الله وطلب الهداية عند دخوله أرض مدين: (وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ) (القصص:22)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ نَزَلَ مَنْزِلاً ثُمَّ قَالَ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ لَمْ يَضُرُّهُ شَيْءٌ حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْ مَنْزِلِهِ ذَلِكَ) (رواه مسلم).
- قصة سقيه -عليه السلام- للمرأتين: (وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ) (القصص:23).
- الرجل يسأل ابنته عن تزكيتها -"القوي الأمين"-؛ فذكرت حمل موسى للصخرة العظيمة, وأدبه إذ أمرها أن تمشي وراءه وتوجهه، قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "أفرس الناس ثلاثة صاحب يوسف حين قال لامرأته: (أَكْرِمِي مَثْوَاهُ)، وصاحبة موسى حين قالت: (يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ)، وأبو بكر حين استخلف عمر بن الخطاب".
فائدة: "عرض الرجل ابنته على الرجل الصالح":
- لما مات زوج حفصة بنت عمر -رضي الله عنهما- " خُنَيْسِ بن حذافة" يوم بدر؛ تأيمت حفصة في الصغر, فجاء عمر فعرضها على عثمان ثم أبي بكر, فرزقها الله بالنبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- يُحَدِّثُ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ حِينَ تَأَيَّمَتْ حَفْصَةُ بِنْتُ عُمَرَ مِنْ خُنَيْسِ بْنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَدْ شَهِدَ بَدْرًا تُوُفِّيَ بِالْمَدِينَةِ؛ قَالَ عُمَرُ: فَلَقِيتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ حَفْصَةَ؛ فَقُلْتُ: إِنْ شِئْتَ أَنْكَحْتُكَ حَفْصَةَ بِنْتَ عُمَرَ. قَالَ: سَأَنْظُرُ فِي أَمْرِي. فَلَبِثْتُ لَيَالِيَ، فَقَالَ: قَدْ بَدَا لِي أَنْ لاَ أَتَزَوَّجَ يَوْمِي هَذَا. قَالَ عُمَرُ: فَلَقِيتُ أَبَا بَكْرٍ فَقُلْتُ: إِنْ شِئْتَ أَنْكَحْتُكَ حَفْصَةَ بِنْتَ عُمَرَ. فَصَمَتَ أَبُو بَكْرٍ، فَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيَّ شَيْئًا، فَكُنْتُ عَلَيْهِ أَوْجَدَ مِنِّي عَلَى عُثْمَانَ، فَلَبِثْتُ لَيَالِيَ، ثُمَّ خَطَبَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَأَنْكَحْتُهَا إِيَّاهُ، فَلَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: لَعَلَّكَ وَجَدْتَ عَلَيَّ حِينَ عَرَضْتَ عَلَيَّ حَفْصَةَ فَلَمْ أَرْجِعْ إِلَيْكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: فَإِنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَرْجِعَ إِلَيْكَ فِيمَا عَرَضْتَ إِلاَّ أَنِّي قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَدْ ذَكَرَهَا، فَلَمْ أَكُنْ لأُفْشِيَ سِرَّ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، وَلَوْ تَرَكَهَا لَقَبِلْتُهَا. (رواه البخاري).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) والوحي هنا بمعنى الإلهام, وإلا فالنبوة لا تكون إلا في الرجال كما قال -تعالى-: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلا رِجَالا نُوحِي إِلَيْهِمْ) (يوسف:109).